يُعد بحر الرجز أحد أقدم وأشهر بحور الشعر العربي، والذي تميز بقوة إيقاعه وتنوع أغراضه الشعرية. سنتناول في هذا المقال بحر الرجز بشيء من التفصيل، مستعرضين تاريخه وخصائصه وأوزانه المختلفة، مع تقديم أمثلة من أشهر القصائد التي كُتبت عليه.
 |
| بحر الرجز - قوة الايقاع وروعة التعبير في الشعر العربي |
الفصل الأول: تاريخ بحر الرجز
أصل التسمية: لماذا سُمي بالرجز؟
يرجع سبب تسمية هذا البحر بـ "الرجز" إلى ارتباطه بالرجز، وهو نوع من الشعر العربي القديم الذي كان يُلقى في ساحات الحرب والأسواق، ويتميز بإيقاعه القوي والمحرك للحماس.
نشأة بحر الرجز وتطوره عبر العصور
يُعد بحر الرجز من أقدم بحور الشعر العربي، حيث استخدمه الشعراء الجاهليون بكثرة، واشتهر في العصر الإسلامي، وخاصةً في الشعر الهجائي والزهدي. من أشهر شعراء الرجز في العصر الجاهلي: الأعشى، زهير بن أبي سلمى، والنابغة الذبياني.
أوزان بحر الرجز
الرجز الأصلي: وهو الشكل الأكثر شيوعًا، ويتكون من تفعيلة "مستفعلن" في كل شطر.
الرجز المرفل: يُكرر فيه تفعيلة "مستفعلن" مرتين في كل شطر.
الرجز المشطور: يُقسم فيه الشطر إلى قسمين، يُكرر في كل قسم تفعيلة "مستفعلن".
الرجز المخبون: يُحذف فيه حرف ساكن من تفعيلة "مستفعلن".
الفصل الثاني: خصائص بحر الرجز
الموسيقى والإيقاع: قوة وحماس
تفعيلة "مستفعلن": تتميز تفعيلة "مستفعلن" بقوة إيقاعها وحركتها، ما يمنح بحر الرجز قوةً وحماسًا.
التكرار: تكرار تفعيلة "مستفعلن" يخلق إيقاعًا منتظمًا يثير الحماس ويحفز على الحركة.
القافية: تُستخدم القافية الموحدة في نهاية كل شطر لإضفاء انسجام موسيقي على القصيدة.
التنوّع الصوتي: يتنوع بحر الرجز في الأصوات بين الحركات والسكنات، ما يزيد من قوة إيقاعه.
تأثير الموسيقى والإيقاع على المعنى
تساهم الخصائص الموسيقية والإيقاعية لبحر الرجز في تعزيز المعاني والأفكار التي يريد الشاعر إيصالها. فهو مناسب للتعبير عن:
الحماسة والتحريض: يُستخدم بحر الرجز في الشعر الحربي والوطني لتحفيز النفوس على القتال والشجاعة.
الفخر والاعتزاز: يُستخدم بحر الرجز للتعبير عن الفخر بالنفس والقبيلة والأمة.
الهجاء والذم: يُستخدم بحر الرجز في الشعر الهجائي لذم الأعداء والخصوم.
الزهد والوعظ: يُستخدم بحر الرجز في الشعر الزهدي للدعوة إلى التوبة والتقوى.
الفصل الثالث: أغراض الشعر في بحر الرجز
الشعر الحربي: حماسة وتحريض
يُعد بحر الرجز من أكثر البحور استخدامًا في الشعر الحربي، لما يتميز به من قوة إيقاع تحفز النفوس على القتال والشجاعة.
مثال:
وَقَومي وَإِنْ كَانُوا قَلِيلاً \ فَهُمْ يَكْثُرُونَ عِنْدَ الوَغَى
الشعر الهجائي: ذمٌ وسخرية
استخدم الشعراء بحر الرجز في الهجاء لذم الأعداء والخصوم، لما يتميز به من قوة إيقاع تزيد من تأثير الهجاء.
مثال:
أَتَيتُكَ عَنْ قَوْمٍ كِرامٍ \ وَأَنْتَ لِقَوْمِكَ فَضْلُ عَارٍ
الشعر الزهدي: توبةٌ وتقوى
استخدم الشعراء بحر الرجز في الشعر الزهدي للدعوة إلى التوبة والتقوى، لما يتميز به من قوة إيقاع تؤثر في النفس.
مثال:
يَا راكِباً إِمّا عَرَضْتَ فَبَلِّغْ \ وَإِنْ أَرَدتَ النَّجاةَ فَسَلِّمْ
الشعر الغزلي: قوة الشوق
على الرغم من أن بحر الرجز لا يستخدم بكثرة في الغزل، إلا أن بعض الشعراء استخدموه للتعبير عن قوة الشوق والحب.
مثال:
لَوْلاَ الَّذي أَلقى عَلَيْكِ مَحَبَّتَهُ \ لَماَ عَرَفتِ البَيانَ وَلاَ الكِتابَة
الفصل الرابع: أبرز الشعراء الذين كتبوا في بحر الرجز
شعراء من العصر الجاهلي
الأعشى: شاعر جاهلي مشهور، اشتهر بشعره في الرجز والمدح، ومن أشهر قصائده:
وَدَّعْ هُرَيرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرتَحِلُ \ وَهَلْ تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَّجُلُ
زهير بن أبي سلمى: شاعر جاهلي كبير، له قصائد مميزة في الرجز، ومنها:
أَمِنْ أُمِّ أَوفَى دِمْنَةٌ لمْ تَكَلَّمِ \ بِحَوْمانِ وَالشَّوْلَاءِ لَمْ تَتَقَسَّمِ
النابغة الذبياني: شاعر جاهلي مشهور، له قصائد رائعة في الرجز، ومنها:
يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَّنَدِ \ أَقْوَتْ وَطالَ عَلَيْها سالِفُ الأَبَدِ
شعراء من العصر الإسلامي
كعب بن زهير: شاعر إسلامي، اشتهر بقصيدته "بانت سعاد" التي مدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي من روائع الشعر في بحر الرجز.
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول \ متيم إثرها لم يفد مكبول
الحطيئة: شاعر إسلامي، اشتهر بشعره الهجائي في بحر الرجز، ومن أشهر قصائده:
أَتَيتُكَ عَنْ قَوْمٍ كِرامٍ \ وَأَنْتَ لِقَوْمِكَ فَضْلُ عَارٍ
أبو العتاهية: شاعر عباسي، له قصائد مميزة في الرجز، وخاصة في الزهد والوعظ، ومنها:
يَا راكِباً إِمّا عَرَضْتَ فَبَلِّغْ \ وَإِنْ أَرَدتَ النَّجاةَ فَسَلِّمْ
شعراء من العصر الحديث
على الرغم من أن استخدام بحر الرجز قلّ في الشعر الحديث، إلا أن بعض الشعراء استخدموه في قصائدهم، مثل الشاعر العراقي معروف الرصافي والشاعر المصري أحمد شوقي.
الزحافات والعلل في بحر الرجز
على الرغم من أن بحر الرجز يعتمد على تفعيلة "مستفعلن" بشكل أساسي، إلا أنه يمكن استخدام الزحاف والعلل لإضفاء تنوع موسيقي على القصيدة والتعبير عن مشاعر وأفكار مختلفة.
الزحاف في بحر الرجز
يُقصد بالزحاف تغيير شكل التفعيلة الأصلية "مستفعلن" بإضافة أو حذف حرف أو أكثر.
أنواع الزحاف في بحر الرجز:
الحذف: وهو حذف حرف ساكن من التفعيلة.
القص: وهو حذف حرفين ساكنين متتاليين من التفعيلة.
الطي: وهو حذف حرف متحرك من التفعيلة.
الكف: وهو حذف حرفين متحركين متتاليين من التفعيلة.
الوصل: وهو إضافة حرف ساكن إلى التفعيلة.
الخبن: وهو قلب حركة إلى سكون.
العلل في بحر الرجز
يُقصد بالعلّة تغيير حركة أحد حروف التفعيلة "مستفعلن"، من ضمة إلى فتحة أو كسرة أو العكس.
أنواع العلل في بحر الرجز:
القلب: وهو قلب حركة الحرف من ضمة إلى فتحة أو العكس.
الإضمار: وهو قلب حركة الحرف من كسرة إلى فتحة أو العكس.
الإعلال: وهو قلب حركة الحرف إلى سكون.
أمثلة على الزحاف والعلل في بحر الرجز
بيت من قصيدة "بانت سعاد" لكعب بن زهير:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول \ متيم إثرها لم يفد مكبول
تحليل البيت:
الشطر الأول: "مستفعلن مستفعلن فَعِلن" (رجز أصلي + حذف)
الشطر الثاني: "مستفعلن مستفعلن فَعِلن" (رجز أصلي + حذف)
بيت من قصيدة "أراك عصي الدمع" لأبي فراس الحمداني:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر \ أما للهوى نهي عليك ولا أمر
تحليل البيت:
الشطر الأول: "مستفعلن فاعلاتن مستفعلن فاعلن" (خفيف مقبوض مقطوع)
الشطر الثاني: "مستفعلن فاعلاتن مستفعلن فاعلن" (خفيف مقبوض مقطوع)
يُستخدم الزحاف والعلل في بحر الرجز بشكلٍ محدود مقارنةً بالبحور الأخرى، وذلك للحفاظ على قوة إيقاعه المميزة.
خاتمة
يمثل بحر الرجز أحد أهم بحور الشعر العربي، والتي تميزت بقوة إيقاعها وتنوع أغراضها الشعرية. استخدمه الشعراء عبر العصور للتعبير عن الحماسة والمدح والهجاء والزهد، ما يؤكد أهمية هذا البحر في تاريخ الشعر العربي.
